الاثنين، 4 فبراير 2008
أغــــــــرب شخصيات سايلنت هيل، تحتَ المجهر
عندما يصبح الخيال واقع مجرد
..انتهى..
قصة مرعبة بحق ....
الجزء الثالث ॥(جيد)
تبدأ أحداث القصة بكابوس مزعج لبطلتنا الجديدة هيذر لتستيقظ بعد ثوان وتجد نفسها في المركز التجاري الذي تعمل فيه , الحياة تبدو طبيعية جداً , تقابل هيذر المحقق دوغلاس الذي يظهر فجأة أمامها ليخبرها بضرورة التحدث , إنه أمر مهم وعن والدتها كما يقول , ولكنها لا تبالي وتغافله بدخول حمام السيدات , لتدخل بذلك العالم الآخر , البداية بنقش جداري باللون الأحمر يذكرها بشيء ما ويذكرنا جميعاً بنقش سامؤيل من الجزء الأول, ثم بتواجد أحد الوحوش الغريبة والمكان الخالي من الناس , وأخيراً المرأة ذات الرداء الأسود كلوديا التي تتكلم عن الفردوس والقوى الكامنة وتقول لهيذر أن تنتظرها عندما يولد الفردوس بيدان ملطختان بالدم ..وتريد منها أن تتذكر شيئاً ما. يبدو أنها شخصية تشبه داليا في كل شيء. وبالتحديد ما يختص بالحديث عن آلهة وغيرها. وقد تركت هيذر تتساءل عن سبب الوحوش وعدم وجود بشر وغيرها من الأسئلة المربكة والتي يبدو أننا اعتدنا عليها عند بداية دخول كل جزء من أجزاء اللعبة , تكمل هيذر رحلتها في العالم الآخر لكي تكتشف الكثير من الحقائق عن نفسها وماضيها وعن أبيها الذي نكتشف في سياق اللعبة أنه هاري ميسون بطل الجزء الأول والذي هرب ممسكاً بفتاة صغيرة بعد نهاية الجزء الأول , واتضح أيضاً أن تلك الفتاة كبرت وأصبحت الآن بطلة الجزء الثالث .بعد الكثير من الأحداث المتشابهة والتي تمر عليها هيذر في العالم البديل , تلتقي بشاب يدعى فينسنت ويدعي بأنه إلى جانبها ولا يحب كلوديا , ومنذ اللقاء الأول مع فينسنت سيحتل مع كلوديا مركز الحبكة في هذه القصة , جنباً إلى جنب مع ذكريات وأحداث سابقة من الجزء الأول. وتبدأ اللعبة في إدخال الخيوط الدرامية على القصة بدأً بالعقدة الرمزية بموت هاري ميسون في مشهد محزن حيث تدخل هيذر إلى البيت عائدة من المركز التجاري لتجد أباها ملقىً على الأريكة والدماء تملؤ جسده, وقد ترك لها مذكرة عبارة عن رسالة يشرح فيها ما حصل منذ نهاية الجزء الأول حيث ظلت القصة وملابساتها طي الكتمان .
تنقل اللعبة إذاً أحداث القصة إلى الزمن المعاصر بعد 17 عاماً من نهاية الجزء الأول حيث عرفت هيذر حقيقة نفسها وقد اتجهت الآن إلى التل الصامت لتنتقم من كلوديا التي قتلت أباها باستخدام أحد الوحوش من عالمها الخاص , وكلوديا هذه هي نفس الفتاة التي كانت تلعب مع أليسا في المدرسة كما جاء في أحداث الجزء الأول وقد كبرت الآن وتعلمت كثيراً من داليا و بدأت البحث عن هيذر مباشرة بعد موت داليا لتعيد فكرة ولادة الآلهة من جديد, وإذا كان من السهل تصديق البديهة الأولى والتي تقول بأن هيذر ابنة هاري فإننا سوف نقول حتماً بأن هذه الثانية ليست إلا محض مصادفة وافتعال لكي تمضي أحداث القصة إلى الأمام(فماذا لو لم تكن كلوديا صديقة قديمة لأليسا وتعرف هيذر جيداً على أنها هي أليسا؟!) , ولكننا لا ننكر هنا أنها فكرة لامعة أن تعتمد اللعبة في قصتها على أحداث وشخصيات سابقة ولا ننسى أيضاً أن روابط شخصيات هذا الجزء تم استنباطها من خلال أحداث الجزء الأول شديدة الغموض,والتي وجدت اللعبة فيها أرضاً صلبة تقف فوقها,وذلك بعد أن تركت أسئلة كثيرة استعصت على الكثيرين ,كما أن البعد الزمني الذي يفصل بين الجزئين والشحنات العاطفية الكبيرة تجاه الجزء الأول لعبا دوراً محورياً في تقبل اللاعبين لتلك الفكرة خاصة بعد ابتعاد الجزء الثاني كثيراً عن هذه العلاقة التي تربط اللاعب بالقصة.
تتتابع الحقائق التي تشير إلى أن هيذر هي ذات أليسا الحقيقية وهذا ما تقوله كلوديا بدعوى أن مراسم ولادة الآلهة في الجزء الأول قد فشلت وأن هاري قد أخذ أليسا (هيذر) بعيداً وكان البحث لا يزال جارياً حتى هذه اللحظة, وقد تم تكليف المحقق الخاص دوغلاس بالبحث عن هيذر , ولا تنسى اللعبة طبعاً أن تحشر لنا إيضاحات وتبريرات لأحداث قام بها هاري قديماً(نهاية الجزء الأول)حيث يذكر في رسالته لهيذر أن وجودها كان متعذر التفسير ولا يعرف لماذا قبل بها أصلاً وأنه يرتاب في كل مرة ينظر إليها حتى أن فكرة قتلها راودته كثيراً . كذلك عندما نعرف أن هاري كان يظن بأن الآلهة التي كانت في جسد أليسا آلهة شريرة وهو ما دفعه للقتال أكثر, بينما هي آلهة التل الصامت التي ستجلب الفردوس كما تدعى طائفة داليا وكلوديا.
وفي طريق هيذر للبحث عن كلوديا تجد في طريقها عوائق ومطبات كالعادة إلا أن فينسنت يظهر في كل مرة ويدلها على مكان كلوديا , وفي خضم هذه الأحداث تتخبط هيذر بين العالم البديل والعالم الطبيعي, وترى وحوشاً وعلامات تقول بأنها تعرفها ولكن لا تستطيع التذكر تماماً وفي بعض الأحيان تعاني من صداع شديد في رأسها في مشاهد لا تخلو من لمسات مرعبة بحق يشعر اللاعب معها بأن هناك قوىً غامضة تريد أن تسيطر على جسدها , وتبدو هيذر في أكثر هذه الأحيان وكأنها في صراع مع ذكرى قديمة يبدو أنها سكنت جسدها منذ ولادتها من رحم الشيطان,حيث تقول أليسا بأن هذه الذكرى ليست سوى ذكرى أليسا وهيذر هي من سيلد الآلهة التي تختبئ فيها منذ زمن .
بعد فترة قصيرة تأتي اللعبة إلى مشهد النهاية الذي يجتمع فيه فينسنت مع كلوديا في الكنيسة حيث نعرف أن فينسنت كان لجانب كلوديا منذ البداية ولكن خلافاً نشب بينهما مما اضطر فينسنت لنعت كلوديا بالحقيرة وذلك بعد دخول هيذر إلى المكان , يظهر فينسنت في هذه اللحظات الوجه الآخر لعلاقته مع كلوديا ويدير ظهره لها طالباً من هيذر أن تقتلها, ولكن كلوديا تطعن فينسينت في الظهر في حركة مفاجئة وغير متوقعة , ثم تجهز عليه بطعنة قوية موجهة إلى القلب بلا رحمة , وتدخل هيذر في معركة مع كلوديا التي اكتشفت أن هيذر لا تريد ولادة الآلهة فكلفت هي نفسها بذلك وبلعت ذلك الشيء المقزز وتحولت إلى مسخ كبير لتقاتله هيذر وتقضي عليه وتنهي جميع أحلام كلوديا بالحصول على الفردوس والنعيم كما كانت تدعي, وتنهي بذلك أيضاً جميع مشكلاتها مع العالم الآخر البديل وذكرى ذاتها القديمة وتعيش حياةً هانئة من الآن وصاعداً. وينتهي بعد ذلك الخط الدرامي القصير للقصة بعد أن كانت المراحل الأخيرة تمضي في تصاعد مستمر ومشوق لكنه لا يخفي هشاشة حل العقدة وخيبة أمل اللاعب فيها , وهو حل العقدة على الطريقة التقليدية عندما يكون بطل اللعبة هو أكثر الشخصيات براءة ونقاوة وأحقية في العيش بعد كل تلك المصاعب التي واجهها. أما لماذا قام المجرمون بكل تلك المتاعب والمصائب فهذا أمر أكثر افتعالاً ويبدو أنه ينتمي إلى قصة أخرى تماماً خاصة عندما يكون بطلة اللعبة فتاة عوضاً عن رجل, وعندما تموت الشخصيات الموجودة في اللعبة جميعاً بعد أن أصبحت دراما اللعبة سباقاً بين كلوديا وهيذر , لذا لن يجد اللاعب في هذا الصراع الكارتوني إلا المسكين فينسنت الذي يضفي وحده بعداً إنسانياً على الحبكة .
قد تكون هناك ملاحظات عدة على اللعبة لأنها لا تذهب لآخر الشوط في الدراما والحبكة الفنية, لكن حضور شخصيات ذكرت من قبل في الأجزاء السابقة أو على الأقل لها علاقة سابقة يضفي الحيوية والتجدد إلى القصة , إضافة إلى دقة اختيار الأماكن مثل المستشفى والكنيسة وغيرها, وربما لم يكن هناك الكثير من الإبداع عند كتاب السيناريو ليضيفوه إلى الحبكة الأصلية , كما لم يظهر توهج فني أو درامي يوازي الفكرة المطروحة ويمد اليد نحو معايشة حالة إنسانية محددة بهدف التوحد مع صاحبها أو حتى الإحساس بالعاطفة السلبية أو الإيجابية تجاه أي من الشخصيات, لكن اللعبة تحقق أهدافها على نحو شديد النعومة , فالقصة تهدف إلى إيصال فكرة محددة وبث الرعب في وجدان اللاعب بطريقة جيدة ومدروسة دون فجاجة أو مبالغة , وهذا ما يخفف كثيراً من الإحساس بأن الحبكة تفتقد التشويق.
والسبب ربما وراء خيبة الأمل في القصة أن اللعبة مضت في مشاهد مؤثرة ومتناثرة إلى النهاية بعد أن احتشدت اللعبة بالمشاهد الحوارية جنباً إلى جنباً مع المذكرات والملاحظات واليوميات الكثيرة والمنتشرة في كل مكان , وهو ما يدل على أن صانعي اللعبة كان لديهم الكثير من الأفكار والمشاريع التي أرادوا حشرها في هذا الجزء ودمجها مع بعضها لتشكل القصة النهائية وفي نفس الوقت حاولوا الاستفادة من التلميحات والإشارات التي تمت مشاهدتها في الجزئين السابقين لربط كل شيء معاً , لكن هذه الإشارات بقيت مجرد شذرات لا تربطها رؤية كلية, وتم التغلب على هذه المشكلة بافتعال قصة مختلفة قليلاً مع نهاية طبيعية جداً في انتظار الجزء القادم لوضع باقي الأفكار قيد التنفيذ, وهو ما قد يفسر ربما استعجال إصدار الجزء الرابع بعد فترة قصيرة من إصدار الثالث.
رحلة داخل عقل مجرم
صراع داخل عقل مجرم॥(ممتاز)جيمس صندرلاند أحد زوار مدينة التل الصامت القدامى فقد كان يرتادها مع زوجته قبل أن تموت بسبب مرض خبيث أصابها। يقرر جيمس أن يزور المدينة مرة أخرى ليس لغرض السياحة هذه المرة ولكن لأنه تلقى رسالة يقول صاحبها بأن جيمس قد وعده مرات عدة باصطحابه إليها ولكنه لم يفعل, صاحب الرسالة يذكر أنه اليوم هناك في تلك المدينة وحيد وينتظر جيمس في مكانهما الخاص।رسالة لا تدعونا إلى التساؤل عن كاتبها بقدر ما تدعونا إلى تخمين كاتبها, وذلك قبل أن نكمل قراءة الرسالة لنجدها مذيلة باسم ماري صندرلاند , زوجة جيمس الميتة। جيمس متواجد الآن في استراحة على مشارف مدينة التل الصامت يحاول إقناع نفسه بأن ما يفعله معقول وأن زوجته من الممكن فعلاً أن تكون موجودة هنا ومنتظرة إياه , ولكن جيمس يبدو عليه الحزن واليأس منذ البداية, وبين مد وجزر في تصديق الرسالة وعدم تصديقها يبدأ جيمس رحلته في البحث عن زوجته وهو غير مقتنع تماماً بما يفعل وغير عارف بما هو مقدم عليه। فمن هنا نرى البداية المشوقة التي لا يسع اللاعب أو المشاهد تجاهها إلا أن يشمر عن ساعديه ويبدأ في البحث والاستقصاء ويتابع مع اللعبة ما يمكن أن يحصل بعد ذلك من أحداث , لعله يكتشف في النهاية أن جيمس مجنون أو أن زوجته لم تمت أصلاً , أو أن جيمس كذاب أو مختل عقلياً ولم يتلق رسالة من الأساس , فكلها نهايات ممكنة ومعقولة تماماً ।تبدأ اللعبة في دخول عالمها الدرامي مباشرة بعد مشهد البداية الذي يقف فيه جيمس ليروي سبب قدومه إلى هنا وسبب تغير وتأرجح رأيه بين الشك واليقين ويبين الإغراءات والدوافع التي تحركها الذكريات والعاطفة العمياء في أن زوجته التي أحبها تنتظره وتريده إلى جانبها, وفي مقابل ذلك برهان العقل الرادع وقوة المنطق السليم في أن الميت لا يمكن أن يكتب رسالة । وكأن اللعبة تضعنا منذ اللحظة الأولى في موقف التوحد مع الشخصية الأساسية.ثم من خلال صراع العقل مع العاطفة تؤسس اللعبة جوها الخاص وتضع محور القصة الأساسي في الواجهة بطريقة عوجاء وملتوية ولكن مميزة, حيث تبدأ أشياء غريبة ومبهمة في الظهور , الوحوش غريبة الأشكال والدماء والجثث المنتشرة في كل مكان والعالم الغريب , ولكن جيمس لا يبالي بكل هذا , تماماً مثل هاري ميسون , من شدة الشغف والشوق للقاء الشخص الذي يبحث عنه لم يعد يكترث بكل ما يصادفه من أهوال قد يبدو منذ الوهلة الأولى أن جيمس لا يفهم منها شيئاً , ولكن قد يبدو لصاحب النظرة الفاحصة والمتمعنة أنها ليست إلا مقدمات للخط الدرامي الطويل الذي تدور حوله أحداث القصة, وذلك لحين اكتشاف حقيقة جيمس عند النهاية . جيمس الشخصية المهزوزة منذ البداية يكمل مسيرته إلى المكان الخاص الذي ذكر في الرسالة , وفي رحلته يلتقي العديد من الشخصيات أكثر من مرة , أنجيلا الفتاة الخائفة التي لم تستطيع العثور على عائلتها حتى الآن ويبدو أنها متوترة وبينها وبين نفسها تبحث عن مبرر لقدومها إلى هنا , وإيدي الذي يبدو هو الآخر غامضاً إلى حد كبير ,والفتاة الشقية وغريبة الأطوار لورا, ثم ماريا التي تشبه ماري كثيراً , ومن خلال لقاء جيمس مع هذه الشخصيات بالتعاقب تبدأ الحقائق بالتكشف شيئاً فشيئاً , حقيقة جميع الشخصيات وحقيقة المكان والعالم الغريب بطريقة تدريجية وسلسة. يكتشف جيمس في البداية أن شيئاً ما جذبه إلى المدينة كما جذب إيدي وأنجيلا , كما أن الشخصيات التي يقابلها تحاول إقناعه بأنه هارب من شيء ما ولكنه غير مقتنع تماماً , إنه مجرد استنتاج مبدأي وجيمس غير مستعد للتخلي عن أمله في العثور على ماري بهذه السهولة , فالأمنيات الوهمية والتي افتعلها جيمس بنفسه والمبنية على أساس العاطفة لا تزال تسيطر على تفكير جيمس وتجبره على إنكار استنتاجات واقعية ربما تجره إلى مخاوف قديمة . جيمس يجد ماريا ويتعلق بها, ومنذ لحظة لقاء جيمس بماريا تدخل اللعبة مرحلة جديدة من الغموض يجدها اللاعب في أغلب الأحيان كأنها وهمية تخيلية وأشبه ما تكون بالمنام أو الحلم ومليئة بالرموز والدلالات. فماريا تشبه ماري تماماً وجيمس يريدها إلى جانبه كما يريد إكمال بحثه عن ماري أيضاً, لقد اختلطت الأمور بالنسبة إليه , ولم يعد يعرف هل يصدق ماريا التي تقول بأنها هي ماري "كما أرادها" أم يصدق قلبه الذي يدفعه للبحث عن ماري التي ماتت . يتم اغتيال ماريا أمام عيني جيمس وبطريقة مخيفة على يد أحد الوحوش ويعجز جيمس عن إنقاذها, وتختلط مشاعره مرة أخرى ويأخذ تفكيره في التذبذب بين الحسرة على ماريا والحنين لملاقاة ماري التي لا يزال يعتقد بأنها تنتظره , وحتى الآن الملامة بادية على وجهه وعليه أن يفعل شيئاً ما حتى يصل إلى ماري .وبينما هو يكمل بحثه في المدينة, تقوده قدماه إلى سجن قديم ويجد ماريا في إحدى الزنزانات وهي على قيد الحياة ولم يصبها أي مكروه, فيستغرب جيمس من هذا الأمر بطبيعة الحال كما أن ماريا هذه المرة تبدو مختلفة تماماً , تتحدث عن أشياء لم يعرف بها غير جيمس وماري فقط, وما يثير الاستغراب والتساؤل أكثر هو أن ماريا تصر على أنها ليست ماري ولكنها ستكون ماريا إذا أرادها جيمس أن تكون كذلك, وما قام به الآن لم يكن غريباً أبداً حينما طلب إجابة مقنعة فهو دائما مشوش وكثيراً ما يخلط الأمور ببعضها, ولكنه أصر على التوجه مباشرة للطرف الآخر من الزنزانة , وهذا يعني أن مخاوفه بدأت تتبدد وبدأ في التفكير على نحو مختلف ,ففي البداية أراد ماري, ثم ظهرت له ماريا ولم يقبلها, وها هو الآن يجد ماري وليست ماري القديمة , بل ماري جديدة , كما يريدها ويتمناها لا كما يتذكرها , وهذا بحد ذاته انعطاف جذري نحو حلم جديد بدأ يدغدغ مخيلة جيمس وتحد كبير لمطالب وأهداف جيمس منذ بداية المغامرة, ولكن هذا الحلم يتم اغتياله بسرعة عندما يصل جيمس إلى الزنزانة ويكتشف أن ماريا قد تم قتلها بطريقة وحشية ومؤلمة . وكأن اللعبة تمنح الفرصة للاعب بأن يتساءل بينه وبين نفسه عن سبب تعاطفه مع جيمس وتعلقه بحلم مؤقت حتى النهاية ,حيث يجد اللاعب نفسه في موقف وقد انجذب بسذاجة وراء خدعة تناقضات ذكية تجبره على التخلي عن قواعد المنطق الواقعي لكي يستمتع بالموقف, وعلى الرغم من أنه موقف مركب ومصطنع لفكرة واقعية وهدف أسمى, إلا أنه نجح فعلاً في أن يقهر اللاعب بجعله يشعر بالحزن والمرارة على ضياع الحلم وفي نفس الوقت يشعر بالغضب والمقت لموت ماريا "مرة أخرى" , وهذا ما جعل الموقف يستحق الإطراء بقدر ما يستحق التأمل.يمضي جيمس في مسيرته وقد فقد هذه المرة كل أمل بالعثور على ماري, واقتنع تماماً بأن شيئاً ما قد جذبه لهذه المدينة لأجل أن ينتقم منه أو يعذبه , لقد كان اليأس والأسى قد سيطرا على تفكيره عندما وصل للفندق الذي كان يقيم فيه مع ماري قبل أن تموت, ليجد رسالة وقد كتب عليها "أنا بانتظارك" , فيعتقد بأن هذه الرسالة أيضاً من ماري الميتة ويذهب إلى الغرفة ليجد شريط فيديو يكشف لنا الحقيقة كاملة. يظهر الشريط صورة ماري وهي تضحك وسعيدة بالحياة الهانئة التي عاشتها في التل الصامت , ثم تختفي تلك الصورة وتظهر صورتها وقد أفسدها المرض وأنهك جسمها العلاج الذي لا فائدة منه, ثم يظهر جيمس ممسكاً بالوسادة التي كانت تحت رأس ماري واليأس يعتصر جسمه ثم يكتم أنفاس ماري حتى تموت .هنا النهاية غير المتوقعة والتي لم تكن في الحسبان حيث اتضح أن جيمس كان قد قتل زوجته قبل أن يأتي إلى التل الصامت , لا يهم إن كانت قد ماتت قبل 3 سنوات أو 3 أيام أو أسبوع , المهم أنها ماتت , وجيمس نفسه هو من قتلها. واتضحت حقيقة أوهام جيمس وكذبه واتضح فعلاً أن الميت لا يمكن أن يكتب رسالة. إنما يبدو أن شيئاً ما أراد أن يعذب جيمس على فعلته فاستدرجه إلى هنا بحجة الرسالة, ويبدو أن جيمس قد حزن جداً على موت ماري وتمنى لو أنها تعود , لذا صدق الرسالة ونسج أحلامه عليها .إنها نهاية بسيطة وتتسم حقاً بقدر من الواقعية حيث نجد أن اللعبة نجحت في مد جميع الخطوط الدرامية إلى النهاية, وبالأخص في ما يتعلق بقصة جميع الشخصيات المتواجدة في اللعبة(حيث تم استدعاء إيدي وآنجيلا وماريا إلى المدينة كل لغرض معين) والتي في الواقع توازي القصة المحورية للبطل وتغذيها وتخدمها. وإذا ما نظرنا بتأمل إلى الأحداث التي وقعت منذ لقاء جيمس الأول مع ماريا وحتى نهاية اللعبة, نجد التوتر الدرامي حاضراً بقوة من خلال لقاء جيمس مع إيدي وآنجيلا وماريا واحداً تلو الآخر وبأدوار متعاقبة وبناء سردي متواز أشبه ما يكون بجلسات محاكمة يحاول فيها جيمس معرفة ما يحصل وتبرير أفعاله بينما ينتقده كل واحد منهم أو يذكره بحقيقة نفسه بطريقة أو بأخرى.وقد يمكن أن نعتبر هذه محاولة للإيحاء بأن جيمس هو المذنب , ولكن على الرغم من صعوبة التخمين إلا أن اللاعب ينتقل شيئاً فشيئاً من رفض ما يفعله جيمس إلى الإيمان به , وهي حيلة درامية ذكية لا تخلو من الخبث من جانب صناع اللعبة لكي يجعلوا اللاعب أقرب إلى التعاطف أو التوحد مع المجرم. هناك أيضا ًقراءة أخرى لما بين السطور تدعو للقول بأن نهاية اللعبة مفتوحة وتحتمل أكثر من تفسير, حيث تعمد صانعوا اللعبة أن يتركوا الباب مفتوحاً للاعب لكي يفسر على طريقته إذا ما كان العالم الذي تدور حوله أحداث اللعبة واقعاً أم خيالاً وذلك من خلال إدراكك لموقفين,الأول :هو واقعي إذا أدركت أن قوى الظلام الخاصة بالتل الصامت والتي لا ترضى بالظلم هي من أرسل الرسالة لجيمس ليقع في الفخ ويأتي على قدميه . الثاني : هو خيالي إذا أدركت أن كل ما حصل من نسج خيال جيمس وأنه لم يتلق أي رسالة , بل تخيلها تخيلاً وذلك بسبب الهلوسات التي أصابته بعد موت ماري فأصبح يعيش في عالم اللاوعي. خيط رفيع بين الحقيقة والخيال هو عالم اللاوعي وهو السر الذي يجعل اللعبة تبدو أشبه بالحلم ويعطي الشخصيات في القصة صفات تجعلها غير واعية في تصرفاتها وأشبه بالنائمة عند التعامل مع معطيات القصة ومتطلباتها, وعند ذكر الحلم والمنامات في اللعبة يتبادر إلى الذهن المعنى الحقيقي للحلم ولا بد من التوضيح أن الحلم قرين النوم الاعتيادي الذي يزاوله الإنسان ليل نهار , غير أن المفهوم في اللعبة يتجاوز ذلك , والإشارة هنا أننا في الحياة العادية نعيش شكلاً من أشكال الغفلة والجهالة وأننا في بعض المواقف نزاوج بين الرؤية واللارؤية , بين المعاينة للحقيقة , والسباحة في الخيال , بل إننا نعيش مرات كثيرة ما يمكن تسميته بنوم اليقظة.ولربط هذا المفهوم بمضمون اللعبة , نرى أنه يتناول أيضاً نسبية اليقظة, فاليقظ نائم ضمناً لأنه لا يرى كل شيء فيما يتوهم أن حواسه تسعفه لرؤية كل شيء والإيمان به وتصديقه بلا جدال , وهذا أمر غير وارد, والدليل البسيط أننا لا نستطيع قراءة المستقبل الداهم الذي يأتينا كالسيل الدافق في كل لحظة وثانية, وأننا لا نستطيع معرفة ذواتنا بالرغم من أن أجسادنا الفيزيائية تحمل هذه الذوات, وما بدا واضحاً على جيمس في اللعبة لم يكن بعيداً عن هذا المعنى حيث يتناوب جيمس شكلان من الإبحار في المجهول, الأول يتعلق بأضغاث الأحلام التي تعبر في الجوهر عن أوهامه وقلقه الداخلي وتشظياته ومخاوفه المعنوية, ولا تؤدي إلى رؤية حقيقية, والشكل الثاني يتمثل في الرؤيا التي تكون نقية صافية كفلق الصبح, وفيها يبحر تفكيره فيما يتجاوز النوم الاعتيادي إلى المنام أو الحلم حيث يمكنه معانقة شكل من أشكال الحكمة المدفونة في تلافيف دماغه ومشاهدة بعض من الغوامض والأسرار التي لا يريد عقله الباطن أن يكتشفها بسبب العاطفة التي تسيطر عليه وتريد هي الأخرى استرجاع ذكريات قديمة وجميلة بأي ثمن. حتى إن اللاعب لا يكاد يدرك ذلك الخط الفاصل بين الواقع والحلم (العالم البديل والعالم العادي )أو بين الحقيقة والخيال.والمزج بين الحقيقة والخيال هو جوهر اللعبة وهو الأمر الذي يدركه اللاعب تماماً بعد أن تكون اللعبة قد أشرفت على الانتهاء وبعد انتهاء الصراع , فالصراع هنا ليس بين جيمس وماريا أو ذا الرأس الهرمي أو غيرهما, إنه صراع بين العقل والعاطفة في داخل جيمس, ويلعب عالم اللاوعي الدور الرئيسي في ربط الأحداث والشخصيات , والسبب المباشر في تأجيج المشاعر وأرجحتها بين الإيجاب والسلب .ولقد استفادت قصة اللعبة كثيراً من تناقض حكاية الجزء الأول مع أبعادها المعنوية, حيث نجد أن قصة الجزء الثاني نجحت في ترسيخ نفس الفكرة لتتطابق مع الأبعاد المعنوية والإنسانية لها ولو بطريقة استغلالية.والفكرة كانت تقضي وتقول بأن التل الصامت به شيء غير عادي وفوق الطبيعة, حتى إنه أصبح يملك قوة تمكنه من أن يعاقب ويضرب بل ويخلق أناساً تلبية لرغبات أناس آخرين.ولعل أجمل ما في قصة اللعبة أنها تجعل حياة إنسان واحد تكفي لكي تكون سبباً جوهرياً لهذه الرحلة الطويلة التي تسعى إلى العدالة الشرعية , إنها رحلة بين عالمين مختلفين, لكنها أيضاً رحلة داخل النفس البشرية , حافلة باكتشاف أبسط الحقائق التي كادت تغيب عن أذهاننا.
الأحد، 3 فبراير 2008
الجزء الأول من التل الصامت
عندما يغلب الافتعال على الفكرة॥(ضغيف,مقبول)
بانوراما SILENT HILL المقدمة
ضباب وغموض
أحزان وشجون
حكايات وذكريات
حلقة مفرغة
وطريق مسدود يذكرني بزمن قد مضى
سبع سنوات بالتأكيد ليست كافية لنسيان ما مضى
إنه التل الصامت . المكان الوحيد الذي تعلق في الأذهان, وبقي في القلوب حتى الآن.كل من زار هذا المكان لأول مرة, أراد العودة ولكنه لم يستطع.وكذلك من لعب لعبة التل الصامت , أراد التوقف ,ولكن ..... لا سبيل إلى التوقف.
هذا ما أسميه بالإدمان على الهدوء, أو الإدمان على الجريمة.نعم هي جريمة يرتكبها اللاعب في كل مرة يدخل فيها هذه المدينة دون أن يعلم السر وراء ذلك الهدوء الذي يبحث عنه.
ومجنون فعلاً من يبحث عن الهدوء في مدينة كالتل الصامت.
ذلك ما حدث لهاري ميسون قبل أن يحدث بعد 17 سنة لابنته وجيمس المجنون , ثم المسكين صاحب الغرفة رقم 302 .
هذا ما توفره لك لعبة التل الصامت, ولا يمكن لأي لعبة غيرها أن تفعل.
تنتقل بين عوالم ضبابية غامضة وأخرى وحشية ولعينة .تنتابك أحاسيس قوية مرات , ومشاعر مرهفة مرات عديدة.يعجبك غموض القصة, ويجذبك سحرها, فيما تدفعك أسرارها إلى حالة من الحزن . يتعبك البحث عن حل لغز ما, بينما يجد حله أخوك الأصغر وتكتشف أنه كان بين يديك طوال الوقت.إنه جنون التناقضات الذي يصيبك بالحيرة أمام ما تشاهده , وما تصنعه بيديك .
وهو ما يعطي اللعبة صفة التميز, لأنها فعلاً مميزة.
فإن كنت ممن يؤمنون بأن الألعاب تنتهي بمجرد انتهاء الصراع وظهور كلمة Game Over على الشاشة .
فأنصحك بعدم متابعة الموضوع والانصراف لما هو أهم.
أما إن كنت ممن يعتقدون بأنهم مصابون بحمى التل الصامت سايلنت هيل .أو كنت فعلاً ممن يجلسون الساعات الطوال في إعادة اللعبة محاولين فهم القصة أو اكتشاف شيء جديد هنا أو هناك..
فأنصحك بالانضمام إلينا لنمشي معاً وسط الضباب الكثيف .
فالرحلة ستطول
هنا في بانوراما silent hill----- --------
سأحاول استعراض أهم ما حوت السلسلة من عناصر النجاح والتميز في مجال القصة والمقارنة بين جميع الأجزاء... وسيتم تقييم كل جزء بإحدى الدرجات
( مقبول , جيد , جيد جداً , ممتاز )
-------++-----
ولكن قبل أن أخوض في تحليل قصة كل جزء علي أن أعرف ببعض المفاهيم المرتبطة بالقصة.عناصر القصة :الشخصيات والزمان والمكانوالحبكة الفنية.
الشخصيات في القصة نوعان . إما ثانوية تساعد في البناء الفني وتتفاعل مع البطل وتعمل على أخذ القصة لمجراها دون أن تغير جذرياً من نهاية القصة.مثل لورا في الجزء الثاني و فينست في الثالث وكذلك الشرطية سيبل في الجزء الأول.وإما شخصيات أساسية ومحورية يدور الحدث في القصة حولها.
ويجب أن يكون لها صفات جسدية مميزة وملامح نفسية تبرر تصرفات الشخصية و تشكل دافع للحدث والسبب الرئيسي في سير الأحداث.الآن..الحبكة الفنية هي أكثر ما يهمنا في القصة و هي أكثر العناصر حساسية وتأثيراً على اللاعب أو المشاهد, وتشمل الموضوع والحدث والعقدة والصراع والخاتمة.
- موضوع القصة الجيد يجب أن يكون مبتكراً و أن يعبر عن الفكرة بصورة مناسبة ومنطقية, كأن يعمل على تلاؤم الشخصيات مع الأدوار التي تلعبها ومع البيئة المحيطة والوسط الاجتماعي والثقافي الموجودة فيه,<< فليس من المنطقي مثلاً أن نشهد أحداث قصة حدثت في القرون الوسطى بينما يملك جميع شخصياتها هواتفاً نقالة و كمبيوترات محمولة>> وكأن يعمل أيضاً على تبرير كل ما يجري في القصة انطلاقاً من الدوافع النفسية للشخصيات والأسباب المنطقية لتسلسل الأحداث. وانطلاقاً أيضاً من قدرة الكاتب على تحليل نفسية اللاعب وطريقة فهمه للقصة وما يمكن أن يتوقعه في اللحظات القادمة.
- أهم ما يميز أحداث القصة المثيرة والمشوقة, أنها تجعل اللاعب في ترقب دائم لما قد يحصل في الفقرة التالية من اللعبة (أو من القصة ) وتطرد الملل عن أجوائها وهذا مهم جداً في تحديد عمر اللعبة وطولها.تدرج الأحداث أيضاً يختلف من قصة إلى أخرى,فتجد الأحداث المتسلسلة بشكل منطقي قادرة على تقديم ما يحصل بشكل مبسط وسلس ومتنامي متطوراً من البداية حتى النهاية ,وبطريقة تشد اللاعب إلى متابعتها.بينما تجد أحداث القصة المتشابكة يصعب فهمها وتترك دائما أسئلة بلا أجوبه, مما يجعل اللاعب في حيرة وتأمل بدل أن يكون في حالة ترقب.
هذا التسلسل الغير مترابط في القصة يجعلها تحتمل نهايات مختلفة تكون جميعها مبررة ومنطقيه للغاية. وفي نفس الوقت مفاجئة وغير متوقعة, حيث يتم تفسير كل شيء من قبل القارئ (اللاعب) بطريقة مختلفة عن طريقة الكاتب نفسه.يحصل هذا الاختلاف في التفسير والتوقعات بسبب غياب عناصر الربط بين الشخصيات والأحداث وربما بين الأزمنة والأحداث في بعض الأحيان. وهذا ما يعتمد عليه منتجو الألعاب في إطالة عمر القصة.
العقدة هي المرحلة أو النقطة الزمنية من القصة التي تتأزم فيها الأحداث والمواقف,وتتضح فيها بؤرة الصراع, وتنطمس أمام اللاعب معالم الحل والنتائج, وقد تتداعى إلى ذهن اللاعب تفسيرات وتوقعات كثيرة جداً, قد تكون صحيحة وقد تكون غير ذلك, ولكن المهم أنه يظل في حالة تحفز كامل لما سيحصل حتى تحين لحظة الحل من خلال أحداث القصة أو اللعبة نفسها.الصراع: هو المعركة أو الاصطدام التي تبنى عليه القصة أساساً ويدفع الحدث إلى الأمام.
-أما حل العقدة فدائماً ما يمثل الخاتمة, فهو لحظة التنوير التي يكتمل بها الأثر ويتشكل المعنى , وتضيء الخاتمة القصة مفجرة طاقة الانطباع فيها, فيمكن أن يأتي الحل دفعة واحدة أو بالتدريج ويمكن أن يأتي على مراحل أو مرحلة زمنية واحدة, ولكن ليس هذا هو المهم فعلاً, المهم في حل العقدة والخاتمة أن تكون على درجة من الإقناع كافية لجعل اللاعب يستمر في القصة أو اللعبة على أساس واقعي, وليس مهماً أن تتطابق خاتمة الأحداث مع توقعات اللاعب بقدر ما هو مهم أن تكون مفاجئة وبعيدة عن التوقعات وصادقة في نفس الوقت.
ولكن ليس من الضروري أن تكون النهاية "متوقعة" لكي تكون "واقعية", فالنهاية المتوقعة ترجع سهولة توقعها إلى قرب الفكرة من قلب اللاعب ودرجة تقبله إياها كما ترجع إلى مصداقيتها في توظيف الأحداث السابقة في القصة, ومصداقيتها في ترتيب الوقائع على أساس عقلاني, والنهاية "الواقعية" ترجع واقعيتها إلى صدقها مع اللاعب ومع الأحداث والوقائع التي تم سردها سابقاً , ويمكن القول أن الفرق بين النهاية "المتوقعة" والنهاية "الواقعية"يشبه الفرق بين الجانب "الخيالي" والجانب "العقلاني" في القصة, فوجود أحد شخصيات قصة ما وقد امتلك قوة خارقة مهما كان سببها ثم فقدانه لها في النهاية لا يدعو إلى التفكر في سبب فقدانه لهذه القوة, لأن هذا الأمر متعلق بالخيال الذي تم افتراضه في البداية بأن القوة موجودة, ولو كان هناك تفسير عقلاني لوجودها لتساءلنا عنه منذ البداية, في المقابل فإن تحول هذه الشخصيات مثلاً في نهاية القصة من مجرم وقاتل يستخدم قوته في الشر إلى رجل طيب لا يستخدمها سوى في الخير, لا لشيء بل لتظهر النهاية على أنها "غير متوقعة", وفي ظل غياب الدوافع العقلانية , ينزع عن هذه النهاية المصداقية والواقعية و لكنه لا ينزع عنها الجانب الخيالي الذي هو افتراض أساسي تقوم عليه القصة بأكملها ويدعي بأن تلك القوة موجودة, الأمر هنا أكثر ارتباطاً بمفهوم الملامح الجسدية والنفسية للشخصية, فالخيال مثلاً متعلق في أغلب الأحيان بالزمان أو بالمكان أو بشخصية معينة, ويتعذر تفسيره دائماً (إلا إذا كانت القصة تتبع الخيال علمي) وبالتالي فإن أحد هذه العوامل "فقط" هو من يحدد ملامح الشخصية الجسدية والنفسية , وفي المقابل فإن سير الأحداث العقلاني و"الواقعي" متعلق بالزمان والمكان جنباً إلى جنب مع الشخصية نفسها ويمكن أن تحدد كلها الملامح الجسدية أو النفسية أو كليهما معاً , وهو ما يدعو أكثر النقاد والمتتبعين للتركيز على الجوانب العقلية والواقعية أكثر من الخيالية। فالمهم ليس تلك النهايات الصاخبة والمفاجئة ولكن كل حدث في القصة له دوره ويجب أن يقود إلى النهاية على نحو طبيعي وصادق।ويأتي هنا دور كاتب القصة الذي عليه أن يضع في حسبانه كل تلك الأمور لكي يجعل النهاية غير "متوقعة", وفي نفس الوقت "واقعية", بحيث لا يسمح بغموض القصة بأن يخلق مسافة من التباعد بين اللعبة(القصة) واللاعب।