الجزء الأول...
عندما يغلب الافتعال على الفكرة॥(ضغيف,مقبول)
هاري ميسون رجل بسيط وعادي جداً । يذهب مرة إلى مدينة التل الصامت مع زوجته فيجدا طفلة صغيرة على حافة الطريق। أخذها هاري وتبناها وأسماها شيريل । أحب هذه البنت الصغيرة كثيراً
وخاصة بعد وفاة زوجته.أصبح هاري الآن وحيداً مع ابنته الصغيرة فلم يبق له إلا هي مما جعله يتعلق بها تعلقاً شديداً جداً لدرجة أنه أصبح يلبي جميع متطلباتها من دون قيد ولا شرط .في أحد الأيام تطلب شيريل من أبيها الذهاب إلى مدينة التل الصامت فيوافق فوراً دون أن يعلم حقيقة هذا الطلب الغريب والمفاجئ بعد أن نسي أنه أخذها منذ البداية من ذات المدينة.وقبل أن يتضح الدافع الرئيسي لرغبة شيريل في القدوم للمدينة في هذا الوقت بالذات , يظهر شيء ما أمام سيارة هاري فيصطدم به وتتدهور السيارة وتنحرف عن مسار الطريق ويفقد هاري وعيه ليستيقظ بعد فترة ويجد نفسه وحيداً في السيارة ويبدأ رحلة البحث عن ابنته. بهذه البداية يستعجل منتجو اللعبة إثارة اللاعب الذي يجد نفسه منذ اللحظة الأولى في قلب الدراما لتتضح جلياً هنا العقدة الأساسية في القصة وهي اختفاء البنت الصغيرة شيريل وبداية دخول هاري لعالم التل الصامت الموحش ومجموعة من الأسئلة تدور في ذهنه, عن سبب خلو المدينة من السكان وعن الوحوش الغريبة التي يقابلها في جميع أرجاء المدينة , وقبل كل شيء ... كيف اختفت ابنته ومن المسؤول عن اختفائها وما سر ذلك الطيف أو الشبح الذي ظهر أمامه فجأة وتسبب في الحادث . يخوض هاري المغامرة الخطيرة متسلحاً بحبه الشديد لشيريل والذي يشكل الدافع الرئيسي في تقدم الأحداث.كما أن هاري مقتنع تماماً بإمكانية إيجاده لشيريل مهما حالت الظروف دون ذلك . فحبه الشديد لها زرع فيه روح اللامبالاة وعدم الاكتراث حتى بالوحوش الخطيرة التي يقابلها , يريد فقط استرجاع ابنته بأي ثمن, نلحظ ذلك من خلال الشخصية الهادئة لدرجة البرود لهاري, والذي لا يكاد يشهد أحداثها مثيرة ومخيفة حتى يزداد هدوءاً ورصانة وكأن شيئاً لم يحصل بينما يفترض به أن يزداد خوفاً أو يبدي على الأقل شيئاً من الامتعاض أو الاشمئزاز من هذا العالم المتبدل والغريب الأطوار , فالبطل هنا يمثل الشخصية التي تسخر نفسها في خدمة الغرض الأساسي من تواجدها في القصة فقط , وهو إيجاد شيريل وتخليصها من جميع الأشرار وقتلهم جميعاً , بدون أن يقحم نفسه في أحداث وغايات جانبية يمكن أن تلهيه عن هذا الغرض , مثل الجندي الذي يخوض حرباً وربما لا يعلم لصالح من. وهو بالتأكيد شخصية استثنائية مدهشة أبدعت كونامي في تصميمها , فبعيداً عن الملامح الجسدية الاعتيادية , جعلت كونامي لهذه الشخصية ملامح نفسية جديدة ومبتكرة من حيث حواراتها وتفاعلها مع الشخصيات الأخرى ومن خلال عدم احتوائها أو لنقل عدم استنتاجها لما يجري من أحداث,نجحت هذه الملامح النفسية لهاري في خلق الجو التشويقي للعبة وللقصة بشكل عام بأحداث متشابكة على غير المعتاد في جميع الألعاب,فكونت الشخصية الانقيادية لهاري , والتي بدورها جعلت اللاعب ينقاد وراء الأحداث الغامضة بدون البحث عن المبررات أو أسباب حصول هذا أو ذاك . <<ربما لأن اللاعب أصبح منشغلاً بالألغاز والوحوش ومحاربة الزعماء والتقدم من مرحلة إلى أخرى, وهذا ما يضعف أهمية القصة بالنسبة لمعظم اللاعبين >> تتشابك الأحداث بعد ذلك وتترابط وتبدأ شخصيات جديدة في الظهور, فيقابل هاري الشرطية سيبل التي تساعده في بعض الأماكن المهمة في اللعبة , ثم يظهر له طيف أليسا في قبو المستشفى وفي أكثر من مكان آخر ويقابل أيضاً العجوز داليا في الكنيسة ثم ما تلبث أن تختفي هي الأخرى وكذلك فعل الدكتور كوفمان. يبقى هاري في حيرة من أمره , أين يذهب ليجد ابنته , ومن من الأشخاص الذين قابلهم يساعده حقاً في إيجادها . وما هو مصدر الوحوش التي يحاربها من حين إلى حين .تبقى هذه الأسئلة بلا أجوبة حتى وقت قريب من النهاية حين يأتي حل العقدة وتبدأ الحقائق بالتكشف دفعة واحدة.فهاري المسكين قد تم استغلاله من قبل داليا في البحث عن ابنتها أليسا , والتي كانت قد هربت من أمها.داليا العجوز هذه تتزعم طائفة دينية منحرفة تؤمن بأن هناك إمكانية لصحوة شيطان نائم عن طريق ربط روحه بروح وجسد بشريين. وقررت استخدام ابنتها البالغة من العمر 6 سنوات أليسا وقامت بشعوذتها وتجهيزها فعلياً لمراسم وضع الشيطان المدعو (سامؤيل) وعزلتها عن حياتها الاعتيادية وأصدقائها . وعندما حاولت أليسا المقاومة, أحرقت داليا عليها البيت وأشاعت بأنها ماتت, بينما كانت تحتجزها في مكان ما تحت مستشفى بروخهافن الذي يديره الدكتور كوفمان والذي كان متورطاً بدوره في القضية مع داليا. اتضح لداليا وطائفتها أن المراسم الشعوذية لإحياء شيطانهم لن تتم إلا بتوافر جسد بشرية أخرى لتندمج مع الروح الأولى التي بحوزتهم ويكونا معاً وعاء لمراسم ولادة الشيطان. فأليسا تحوى النصف الأول فقط من روح الشيطان. لذلك قامت داليا باستدعاء النصف الآخر للشيطان متمثلاً في شيريل ابنة هاري وهذا ما يفسر سبب رغبة شيريل في القدوم منذ البداية, فهي أصلاً ابنة داليا قبل أن تهرب بها الممرضة ليزا وتضعها على قارعة الطريق ليلتقطها هاري, وهي أيضاً تجسيد متكرر لجسد أختها أليسا وكلاهما نتاج شعوذة وسحر داليا . وعند قدوم هاري إلى مدينة التل الصامت تحس أليسا بقدوم نصفها الآخر , فتخرج للقائه, وعند حدوث أول اصطدام بين شيريل وأليسا تختفي شيريل ويبدأ هاري في البحث عن ابنته دون أن يدري أنه يتتبع أليسا , وكلما ظهر له طيف أليسا يتخيل شيريل مكانه . فشيريل لم تظهر أبداً منذ الاصطدام الأول في بداية اللعبة . بعد هذا كله يتضح أن طرفي الصراع الأساسيين هما داليا وابنتها أليسا , وليسا هاري وأليسا كما اعتقدنا, فداليا تحاول الإيقاع بأليسا لتكملة مراسم الشعوذة وولادة سامؤيل منها , وأليسا تدافع عن نفسها مستخدمة القوى الشيطانية التي تكتسبها من نصف روح الشيطان الكامنة بداخلها والتي تخولها إطلاق تلك الوحوش الغريبة التي يقابلها هاري . وهاري المسكين ليس سوى بيدق في يدي داليا تحركه كما تشاء مستغلة شخصيته المهزوزة , فهو لم يرد أن يصدق مسألة اختفاء شيريل من الوجود , و لم يخبر شيريل حقيقة أنها ليست ابنته , كما أنه لم يكن صاحب فكرة تبنيها من الأساس. لتتضح لنا بعد ذلك النهاية السعيدة في ظاهرها والتعيسة في حقيقتها , عندما ينتصر الشر على الخير, وعندما تنتصر الأفكار السوداوية لداليا على الجميع ,فتجبر أليسا أخيراً على الخضوع لمطالب داليا واستكمال مراسم ولادة الشيطان. وينقاد هاري مرة أخرى وبلا رحمة هذه المرة لمعركة مع نفسه , كيف له أن يقتل ابنته التي رباها وأحبها وخاض المعارك لأجلها ,و كيف له أن يتخلى عن هدفه الأساسي في لحظة .ولكن الوقت ربما لا يسعفه للتفكير, فيدخل في معركة مع المجهول, معركة مع الشيطان ومع ابنته...ومع كليهما معاً, يدخلها مهزوماً قبل أن يهزم فعلياً بقتله لابنته. وبعد أن نظن أن الخاتمة هي قتل هاري لابنته تظهر أليسا مرة أخرى لتسلم هاري طفلة رضيعة لكي يربيها ويجعلها مثل شيريل , ولكي تكتمل صورة النهاية السعيدة كاملة يقبل هاري بالطفلة الصغيرة وينطلق بها إلى البيت ليربيها مكتفياً بطرح سؤال ساذج على نفسه " هل ستكون مثل شيريل ؟؟" .غريب أمر هاري فعلاً , فبعد كل تلك المعارك والحروب في سبيل هدف واحد , يتخلى عنه في آخر لحظة ويقبل بأرخص التعويضات , كان الأجدر به على الأقل أن يصاب بنوبة غضب هستيرية ويقتل كل من حوله بلا رحمة,فهو لم يحصل على مبتغاه أبداً, لا من خصمه الشيطان ولا من داليا ولا من العالم البديل الذي كان عدواً له وأصبح في النهاية يثق في قدراته, إنه فعلاً انهزام لروح المقاومة والتحدي لدى هاري , وانتصار لروح السذاجة غير الواقعية . سذاجة قادت إلى انقلاب غير مبرر على مفهوم التضحية في القصة وهو أحد عناصر ضعف القصة , رغم أنها صورت هذا الانهزام بطريقة احترافية لا تخلو من الرمزية.ولكن ...ولأن العبرة بالخواتيم فقد انتهى كل ذلك إلى خيبة أمل في شكل اللعبة ومضمونها على السواء.ما يجعل القصة ضعيفة في نظري هو ما يجعل الخاتمة سيئة للغاية, ومغايرة لنسق الأحداث, فاللعبة جسدت نموذجاً لتلك الأعمال الفنية المصطنعة التي يبذل فيها صناعها جهداً بالغاً للإيحاء بالفكرة المحورية والمغزى المطلوب منها ولكن من دون أن ينجحوا في ذلك نجاحاً باهراً بل بطريقة غوغائية بحتة, ربما لعدم توافر الخبرة لديهم أو ربما لاستعجالهم في تخمين ما يمكن أن يفهمه اللاعب من القصة. فمنذ البداية وحتى الفقرة التي تتضح فيها خيوط اللغز, يبدو الافتعال في استعجال التشويق واصطناع المصادفات دون أن يبذل القائمون على اللعبة جهداً في تأسيس الشخصيات أو تكوين رابط محدد وواضح بينها والأحداث, ولنأخذ مثلاً الدور المناط بالدكتور كوفمان والذي يظهر فجأة في المستشفى أمام هاري ليجيبه إجابات مبهمة عن ما يحدث قبل أن يقرر أن يبقي على حياة هاري في خطوة لا تزيد على اللعبة سوى الغموض , فالدكتور يخوض قصة جانبية مع داليا بعيداً عن القصة الأساسية ويحاول خدمة مصالحة الشخصية , وبالرغم من أن ما يدور بينه وبين داليا يرتبط بماضي مدينة سايلنت هيل إلا أن اللعبة على ما يبدو لم تستفد من ذلك , ولنأخذ كذلك مثالاً آخر وهو مصرع الممرضة ليزا التي لم يستطع اللاعب أن يحدد موقفه منها لأنه لا يعرف بعد إن كان عليه أن يتعاطف مع الشخصية أو يشفق عليها أو يكرهها .وعلى الرغم من الانقلابات الدرامية حول حقائق كل الشخصيات تقريباً , إلا أن هذه الانقلابات لم تضف جديداً لغموض القصة ولم تكن منتمية لعنصر التشويق , بل حولت الصراع الدرامي التقليدي بين الخير والشر إلى حكاية خرافية ساذجة وأنانية تقول بأن مدينة التل الصامت بها شيء غير عادي وفوق الطبيعة .ولكن القيمة الحقيقية للتشويق والدراما في قصة اللعبة تكمن في أنها تطرح على اللاعب أسئلة شائكة، قد يبدو أن اللعبة لا توحي بأية إجابات قاطعة مانعة،وإن كانت في ثناياها تقود اللاعب إلى إجابة بعينها .وذلك ما نسميه بالغموض.
يتبع الجزء الثاني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق