
الجزء الثالث ॥(جيد)
تبدأ أحداث القصة بكابوس مزعج لبطلتنا الجديدة هيذر لتستيقظ بعد ثوان وتجد نفسها في المركز التجاري الذي تعمل فيه , الحياة تبدو طبيعية جداً , تقابل هيذر المحقق دوغلاس الذي يظهر فجأة أمامها ليخبرها بضرورة التحدث , إنه أمر مهم وعن والدتها كما يقول , ولكنها لا تبالي وتغافله بدخول حمام السيدات , لتدخل بذلك العالم الآخر , البداية بنقش جداري باللون الأحمر يذكرها بشيء ما ويذكرنا جميعاً بنقش سامؤيل من الجزء الأول, ثم بتواجد أحد الوحوش الغريبة والمكان الخالي من الناس , وأخيراً المرأة ذات الرداء الأسود كلوديا التي تتكلم عن الفردوس والقوى الكامنة وتقول لهيذر أن تنتظرها عندما يولد الفردوس بيدان ملطختان بالدم ..وتريد منها أن تتذكر شيئاً ما. يبدو أنها شخصية تشبه داليا في كل شيء. وبالتحديد ما يختص بالحديث عن آلهة وغيرها. وقد تركت هيذر تتساءل عن سبب الوحوش وعدم وجود بشر وغيرها من الأسئلة المربكة والتي يبدو أننا اعتدنا عليها عند بداية دخول كل جزء من أجزاء اللعبة , تكمل هيذر رحلتها في العالم الآخر لكي تكتشف الكثير من الحقائق عن نفسها وماضيها وعن أبيها الذي نكتشف في سياق اللعبة أنه هاري ميسون بطل الجزء الأول والذي هرب ممسكاً بفتاة صغيرة بعد نهاية الجزء الأول , واتضح أيضاً أن تلك الفتاة كبرت وأصبحت الآن بطلة الجزء الثالث .بعد الكثير من الأحداث المتشابهة والتي تمر عليها هيذر في العالم البديل , تلتقي بشاب يدعى فينسنت ويدعي بأنه إلى جانبها ولا يحب كلوديا , ومنذ اللقاء الأول مع فينسنت سيحتل مع كلوديا مركز الحبكة في هذه القصة , جنباً إلى جنب مع ذكريات وأحداث سابقة من الجزء الأول. وتبدأ اللعبة في إدخال الخيوط الدرامية على القصة بدأً بالعقدة الرمزية بموت هاري ميسون في مشهد محزن حيث تدخل هيذر إلى البيت عائدة من المركز التجاري لتجد أباها ملقىً على الأريكة والدماء تملؤ جسده, وقد ترك لها مذكرة عبارة عن رسالة يشرح فيها ما حصل منذ نهاية الجزء الأول حيث ظلت القصة وملابساتها طي الكتمان .
تنقل اللعبة إذاً أحداث القصة إلى الزمن المعاصر بعد 17 عاماً من نهاية الجزء الأول حيث عرفت هيذر حقيقة نفسها وقد اتجهت الآن إلى التل الصامت لتنتقم من كلوديا التي قتلت أباها باستخدام أحد الوحوش من عالمها الخاص , وكلوديا هذه هي نفس الفتاة التي كانت تلعب مع أليسا في المدرسة كما جاء في أحداث الجزء الأول وقد كبرت الآن وتعلمت كثيراً من داليا و بدأت البحث عن هيذر مباشرة بعد موت داليا لتعيد فكرة ولادة الآلهة من جديد, وإذا كان من السهل تصديق البديهة الأولى والتي تقول بأن هيذر ابنة هاري فإننا سوف نقول حتماً بأن هذه الثانية ليست إلا محض مصادفة وافتعال لكي تمضي أحداث القصة إلى الأمام(فماذا لو لم تكن كلوديا صديقة قديمة لأليسا وتعرف هيذر جيداً على أنها هي أليسا؟!) , ولكننا لا ننكر هنا أنها فكرة لامعة أن تعتمد اللعبة في قصتها على أحداث وشخصيات سابقة ولا ننسى أيضاً أن روابط شخصيات هذا الجزء تم استنباطها من خلال أحداث الجزء الأول شديدة الغموض,والتي وجدت اللعبة فيها أرضاً صلبة تقف فوقها,وذلك بعد أن تركت أسئلة كثيرة استعصت على الكثيرين ,كما أن البعد الزمني الذي يفصل بين الجزئين والشحنات العاطفية الكبيرة تجاه الجزء الأول لعبا دوراً محورياً في تقبل اللاعبين لتلك الفكرة خاصة بعد ابتعاد الجزء الثاني كثيراً عن هذه العلاقة التي تربط اللاعب بالقصة.
تتتابع الحقائق التي تشير إلى أن هيذر هي ذات أليسا الحقيقية وهذا ما تقوله كلوديا بدعوى أن مراسم ولادة الآلهة في الجزء الأول قد فشلت وأن هاري قد أخذ أليسا (هيذر) بعيداً وكان البحث لا يزال جارياً حتى هذه اللحظة, وقد تم تكليف المحقق الخاص دوغلاس بالبحث عن هيذر , ولا تنسى اللعبة طبعاً أن تحشر لنا إيضاحات وتبريرات لأحداث قام بها هاري قديماً(نهاية الجزء الأول)حيث يذكر في رسالته لهيذر أن وجودها كان متعذر التفسير ولا يعرف لماذا قبل بها أصلاً وأنه يرتاب في كل مرة ينظر إليها حتى أن فكرة قتلها راودته كثيراً . كذلك عندما نعرف أن هاري كان يظن بأن الآلهة التي كانت في جسد أليسا آلهة شريرة وهو ما دفعه للقتال أكثر, بينما هي آلهة التل الصامت التي ستجلب الفردوس كما تدعى طائفة داليا وكلوديا.
وفي طريق هيذر للبحث عن كلوديا تجد في طريقها عوائق ومطبات كالعادة إلا أن فينسنت يظهر في كل مرة ويدلها على مكان كلوديا , وفي خضم هذه الأحداث تتخبط هيذر بين العالم البديل والعالم الطبيعي, وترى وحوشاً وعلامات تقول بأنها تعرفها ولكن لا تستطيع التذكر تماماً وفي بعض الأحيان تعاني من صداع شديد في رأسها في مشاهد لا تخلو من لمسات مرعبة بحق يشعر اللاعب معها بأن هناك قوىً غامضة تريد أن تسيطر على جسدها , وتبدو هيذر في أكثر هذه الأحيان وكأنها في صراع مع ذكرى قديمة يبدو أنها سكنت جسدها منذ ولادتها من رحم الشيطان,حيث تقول أليسا بأن هذه الذكرى ليست سوى ذكرى أليسا وهيذر هي من سيلد الآلهة التي تختبئ فيها منذ زمن .
بعد فترة قصيرة تأتي اللعبة إلى مشهد النهاية الذي يجتمع فيه فينسنت مع كلوديا في الكنيسة حيث نعرف أن فينسنت كان لجانب كلوديا منذ البداية ولكن خلافاً نشب بينهما مما اضطر فينسنت لنعت كلوديا بالحقيرة وذلك بعد دخول هيذر إلى المكان , يظهر فينسنت في هذه اللحظات الوجه الآخر لعلاقته مع كلوديا ويدير ظهره لها طالباً من هيذر أن تقتلها, ولكن كلوديا تطعن فينسينت في الظهر في حركة مفاجئة وغير متوقعة , ثم تجهز عليه بطعنة قوية موجهة إلى القلب بلا رحمة , وتدخل هيذر في معركة مع كلوديا التي اكتشفت أن هيذر لا تريد ولادة الآلهة فكلفت هي نفسها بذلك وبلعت ذلك الشيء المقزز وتحولت إلى مسخ كبير لتقاتله هيذر وتقضي عليه وتنهي جميع أحلام كلوديا بالحصول على الفردوس والنعيم كما كانت تدعي, وتنهي بذلك أيضاً جميع مشكلاتها مع العالم الآخر البديل وذكرى ذاتها القديمة وتعيش حياةً هانئة من الآن وصاعداً. وينتهي بعد ذلك الخط الدرامي القصير للقصة بعد أن كانت المراحل الأخيرة تمضي في تصاعد مستمر ومشوق لكنه لا يخفي هشاشة حل العقدة وخيبة أمل اللاعب فيها , وهو حل العقدة على الطريقة التقليدية عندما يكون بطل اللعبة هو أكثر الشخصيات براءة ونقاوة وأحقية في العيش بعد كل تلك المصاعب التي واجهها. أما لماذا قام المجرمون بكل تلك المتاعب والمصائب فهذا أمر أكثر افتعالاً ويبدو أنه ينتمي إلى قصة أخرى تماماً خاصة عندما يكون بطلة اللعبة فتاة عوضاً عن رجل, وعندما تموت الشخصيات الموجودة في اللعبة جميعاً بعد أن أصبحت دراما اللعبة سباقاً بين كلوديا وهيذر , لذا لن يجد اللاعب في هذا الصراع الكارتوني إلا المسكين فينسنت الذي يضفي وحده بعداً إنسانياً على الحبكة .
قد تكون هناك ملاحظات عدة على اللعبة لأنها لا تذهب لآخر الشوط في الدراما والحبكة الفنية, لكن حضور شخصيات ذكرت من قبل في الأجزاء السابقة أو على الأقل لها علاقة سابقة يضفي الحيوية والتجدد إلى القصة , إضافة إلى دقة اختيار الأماكن مثل المستشفى والكنيسة وغيرها, وربما لم يكن هناك الكثير من الإبداع عند كتاب السيناريو ليضيفوه إلى الحبكة الأصلية , كما لم يظهر توهج فني أو درامي يوازي الفكرة المطروحة ويمد اليد نحو معايشة حالة إنسانية محددة بهدف التوحد مع صاحبها أو حتى الإحساس بالعاطفة السلبية أو الإيجابية تجاه أي من الشخصيات, لكن اللعبة تحقق أهدافها على نحو شديد النعومة , فالقصة تهدف إلى إيصال فكرة محددة وبث الرعب في وجدان اللاعب بطريقة جيدة ومدروسة دون فجاجة أو مبالغة , وهذا ما يخفف كثيراً من الإحساس بأن الحبكة تفتقد التشويق.
والسبب ربما وراء خيبة الأمل في القصة أن اللعبة مضت في مشاهد مؤثرة ومتناثرة إلى النهاية بعد أن احتشدت اللعبة بالمشاهد الحوارية جنباً إلى جنباً مع المذكرات والملاحظات واليوميات الكثيرة والمنتشرة في كل مكان , وهو ما يدل على أن صانعي اللعبة كان لديهم الكثير من الأفكار والمشاريع التي أرادوا حشرها في هذا الجزء ودمجها مع بعضها لتشكل القصة النهائية وفي نفس الوقت حاولوا الاستفادة من التلميحات والإشارات التي تمت مشاهدتها في الجزئين السابقين لربط كل شيء معاً , لكن هذه الإشارات بقيت مجرد شذرات لا تربطها رؤية كلية, وتم التغلب على هذه المشكلة بافتعال قصة مختلفة قليلاً مع نهاية طبيعية جداً في انتظار الجزء القادم لوضع باقي الأفكار قيد التنفيذ, وهو ما قد يفسر ربما استعجال إصدار الجزء الرابع بعد فترة قصيرة من إصدار الثالث.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق